منتدى العقلانيين العرب
24 – 10 – 2010
الإلحاد و الأخلاق متجانسان أم متناقضان؟ سؤال بسيط جدا يطرحه العديد من الناس منذ أقدم العصور. الإجابة بالنسبة لنا أصحاب هذه المواقع العقلانية معروفة بالحجج العملية و معلومة بالبراهين النظرية. لكن عامة الجماهير يريدون حلولا مناسبة لهم يطهرون بها المجتمع من الموانع المعيقة للتفكير الحر و المانعة للتعبير التلقائي. هذا حقهم بطيعة الحال. وهو واجب علينا بلا شك أو تردد. ا
قضية الأخلاق و علاقتها بالأديان إحدى أهم المسائل التي تستحق منا الحوار الفلسفي و تستوجب العمل السياسي بطرفيه الإثنين الحزبي و الحكومي. المسألة تربوية بالأساس. و أفضل مقاربة للبحث فيها هي المقاربة التربوية إبتداء بالمدرسة و إنطلاقا منها إلى المؤسسات الحكومية و غير الحكومية الأخرى. تتخذ القضية أبعادا كبيرة بسبب ما تشهده حاليا عدة مجتمعات من تفشي و تفاقم العنف الإجتماعي و السياسي بمبررات دينية مباشرة أو غير مباشرة. و لا يجوز لمثقف عقلاني أن يتخذ موقف الحياد حيال ما يتعرض له شعبه أو أي شعب شعب آخر من تصاعد لهذا الظلم. ينبغي، في هذه الشؤون بالتحديد، أن يؤكد العقلانيون على أنه إذا ظلت المؤسسات التعليمية تمارس التلقين الديني فإنه من الظلم الفادح، بل إنه من الفساد السياسي و القضائي أن يقع الزج بالمتدينين الأصوليين في السجون بتهم التطرف في تدينهم. المجرمون هم أولائك الذين يستفيدون من الترويج للأديان و يفرضون تعليمها، و ليس من يخضعون لها و يتضررون جراء خضوعهم هذا. تعني هذه النقطة أن المحاكم التي تعاقب المتدينين عوضا عن وزراء التربية و الإعلام و الثقافة و الشؤون الدينية و ما إليها إنما هي محاكم ظلم، لألا نصفها صراحة بأنها مجالس فساد و كذب و نفاق و خزي و عار يلوث الدول و الحكومات و القانون. يجب التحلي بالكثير من الهدوء الديبلوماسي و الصياغة البروتوكولية لألا نسمي الأمور بأسمائها. نلتزم بذلك طوعا من أجل الحوار قائلين أن المتدينين لا يريدون في أغلب الحالات من تدينهم سوى بعض المظاهر الأخلاقية عسى أن تحميهم و لو رمزيا من الفساد. إنهم ليسوا حمقى ليعتقدوا أن المعجزات و الغيبيات شيء مغاير لأنشطة سرية معروفة للجميع بإسم مخابرات أو عصابات التجسس و التجسس المضاد و الأمن السري و التنظيم العسكري للمجتمع. إنهم يعرفون ذلك حق المعرفة. لكنهم لا يجدون حولهم و بالقرب منهم و في متناولهم ما يلزمهم من البدائل الأخلاقية العقلانية الإلحادية العلمية التي تغنيهم عن المظاهر الأخلاقية الدينية. إنهم لا يجدون من الأخلاق سوى ما ينص عليه التراث بلا مقارنة أو تحليل و ما تناقلته الأجيال بلا نقد أو تطوير. لذلك يضطرون إضطرارا للتشبث بالأديان، رغم سخريتهم من تخلفها حينا و صمتهم على فضائحها حينا آخر، على أمل أن يظفروا من خلالها بشيء من الإحترام و الثقة و التضامن. ا
لهذا يكون من الواجب الأكيد العاجل على العقلانيين أن يبادروا، بشكل فردي و جماعي، إلى نشر القيم الأخلاقية المناسبة للعصر الحديث و المتوافقة مع المنطق العلمي و الفكر السليم. ا
أرجو و أتوقع فعلا أن يكون في منتدى العقلانيين العرب ما يشدد على هذه المسؤولية التي ينبغي لكل مثقف أن يساهم بها في خدمة شعبه. إنها مسؤولية تجاه ملايين الناس البسطاء الذين لا تسمح لهم معارفهم التقليدية بالإطلاع على الفكر العقلاني و مبادئه الأخلاقية و مناهجه العلمية. ا
أتمنى أن يؤدي المثقفون وظيفتهم التنويرية التحريرية التربوية بمحبة للجماهير الكادحة و بإدراك لظروفها و تفهم لمستواياتها و تركيز على أولوياتها. إنها وظيفة مساندة للعملية التعليمية المدرسية و غير المدرسية. إنها مساعدة على التعلم الذاتي مدى الحياة و ليست تلقينا مضادا للتلقين المدرسي الديني. إنها حوار يمكن أن ينطلق مثلا من إنشاء منظمة للعقلانيين الملحدين الأخلاقيين العرب. يمكن مثلا أيضا الإنطلاق من مواقع و منتديات إلحادية أخلاقية عربية في هذا المجال اللامحدود المتمثل في الإنترنات. يحب سائر الناس و بالذات الشباب مختلف المواقع الألكترونية الإجتماعية. فلا يجوز لمثقف ألا يستخدمها للوصول إلى تلك الجماهير الشعبية. لا يحق لمثقف أن ينتظر قدوم الناس البسطاء إليه. فعليه هو أن يذهب إليهم حيث هم و أن يخاطبهم بما يستطيعون إستيعابه. إنه المكلف بأن يكون المبادر و الطليعي الباحث عن كل إتصال بالفئات الكادحة مهما تكن ثقافتها السائدة. ا
للبدء يكفي أحيانا، بل يكفي في أكثر الأحيان، أن يطرح المتحاورون، مثقفون و بسطاء، هذا التساؤل القديم جدا بكل مودة و تعاون " هل الإلحاد و الأخلاق متجانسان أم متناقضان؟ ". فالتساؤل القائم على أساس التقدير و التشجيع كفيل بإيصال عامة الناس إلى الإفصاح عن قناعاتهم و رغباتهم و إلى التعبير الحر عن حقيقة ما إعتادوا تزييفه أو كتمانه. ذلك الإفصاح هو الوعي الذي نريد نشره بين الجماهير من أجل النهوض بأوضاعها المعيشية و لتخليصها من ظواهر العنف المؤدلج دينيا و مما ينتج عنه من قمع سياسي و قضائي يتعرض الآن العديد من إخواننا الأصوليين. إنهم إخواننا نحن الملحدون الذي لا معنى و لا هدف لإلحادنا إذا لم يخدم شعوبنا بشكل عام و فئاتها الأقل تعليما و الأكثر تدينا بشكل خاص. فالإلحاد كالطب ضد الأمراض لا ضد المرضى، و كالتنمية ضد الفقر لا الفقراء، و كالمدرسة ضد الجهل لا ضد الجهلة. إنها مسألة الجدوى. إنها قضية المسؤولية. ا